أيام مسروقة
المعذرة العنوان مستفز بحثت عن عنوان يصف ما سوف اكتبه عن مرحلة من حياتي فلم أجد انسب من هذا العنوان يمثل تلك الأيام التي سرقت من حياتي وحياة من عاش معي في نفس الفترة.
تبدأ الحكاية في الفترة السبعينات الميلادية إلى بداية الألفية عندما انتشر الانترنت وقضى على عزلتنا السابقة وبدأنا نكتشف أننا مثل بقية العالم لا يوجد عندنا خصوصية عنهم.
في بداية السبعينات كانت الحياة بالرياض عادية والناس في انسجام تام والفروق الاجتماعية غير واضحة نعيش في نفس البيوت ونأكل نفس الواجبات وليس هنالك ترفهيه لعدم وجود الوقت لممارسته في تلك الأيام كنا قريبين جداً من رائحة البيوت الطينية التي ولدنا فيها.
كنا في السابق نستعد للنوم من بعد صلاه المغرب حيث نحمل الفرش إلى السطح لكي تبرد قبل وقت النوم وعندما نضع رؤوسنا على المخاد ننام بكل هدوء بدون أرق لكن مع تغير الحال ونعومة الحياة تحول نومنا من السطح إلى الغرف تحت رحمة المكيف وعلى سرر مريحة لكن أصبحنا نعاني من الأرق وقلة النوم.
خشونة الحياة تجلب معها متعة راحة البال والتفكير المحدد في قضايا اليوم الواحد فقط لكن عندما غزتنا نعومة الحياة جلبت معها التوتر والتفكير المستمر بالمستقبل الذي نسعى له لكن لا نراه نحاول البحث عن حلول كاملة في وسط غير كامل.
الجيل الذي عاش أيام الطين بدأ ينقرض ويحل محله جيل جديد يحمل معه مقايس مختلفة عن الجيل الماضي لأنه ظهر على الدنيا في مرحلة الرخاء فوجد نفسه داخل سباق التنافس الذي يحيد العلاقات الاجتماعية وصلة الرحم من أدوات المنافسة.
لكن هذه الجيل عاش مع جيل الطين ولم يعيش حياتهم وبقي عنده بعض التعاطف لهم لكن أنجب جيل ثالث ابتعد وانعزل كل شيء عنده لها قيمة رقمية مما زاد الفجوة بين الأقارب وأصبح المعيار الحقيقي عندهم ارتفاع الرصيد المالي بغض النظر عن الرصيد الأخلاقي.
الجيل الرقمي الجديد كل شيء عنده بقيمة رقمية فصوت أصحاب الأرصدة العالية هو المسموع لأنهم يملكون قوة التأثير على المجتمع وهم القدوة عند الصغار لأنهم النموذج الذي يسعون لتقلديه بينما أصحاب الفكر والثقافة والعلم فهم على الهامش يناقشون قضاءيهم في الظل.
أنها أيام مسروقه منا ولم نحدد السارق الخفي الذي سلب منا رائحة الطين والناس الطيبين والتصالح مع النفس وجعلنا نلهث في منافسة لا نعرف خط النهاية نسارع الخطى لكي نقضي على المنافسين ونبقى في المقدمة لا نقبل بالمشاركة.
الرياض
19/5/2022
أبولولو